من الواقع

ثبت يقينا أن نظام الخصخصة الذي تنتهجه مصر حاليا يشوبه "العوار" علي الأقل في ناحيتين مهمتين.
الأولي انه ترك للمستثمرين الذين وقع عليهم الاختيار لشراء الشركات ـ خاصة المنتجة للمواد الأساسية والاستراتيجية ـ حرية التحكم في الأسعار دون إلزامها بضوابط محددة تضمن عدم تعرض السوق لأزمات حادة في هذه المنتجات.
جريدة "الجمهورية" نشرت مانشيتا رئيسيا مثيرا بصفحتها الأولي يوم الثلاثاء الماضي تقول فيه بالنص:
"أزمة مارس الأسود تعود من جديد ـ الحيتان اشعلوا الحديد ـ 3900 جنيه للطن ـ كبار المنتجين يواصلون تعطيش السوق".
وفي متن الخبر قالت الجريدة: إن سبب ارتفاع الأسعار يرجع إلي قيام حيتان الحديد الكبار بتخزينه تحسبا لزيادة أسعاره لدرجة أن أحدهم قام بتخزين 30 ألف طن قيمتها 100 مليون جنيه في أحد المخازن الكبري بالقاهرة.
وكانت أزمة حديد التسليح الذي هو عصب البناء والتنمية العمرانية في مصر قد بلغت أشدها في مارس الماضي من هذا العام. ولذلك وصفته الجمهورية بـ "مارس الأسود".
وما يجري لحديد التسليح يجري للأسمنت والأسمدة وغيرهما من المواد الأساسية للتنمية في مصر.
أما الناحية الثانية التي شابها العوار في عملية الخصخصة فهي حقوق العمال في هذه الشركات.. فلم تكن هناك نصوص واضحة ومحددة وملزمة في عقود البيع تضمن حقوق العاملين بالشركات المباعة الأمر الذي أدي إلي خروج عشرات الآلاف إلي المعاش المبكر وانضمامهم إلي جيش العاطلين في مصر.
ومن هنا ثارت الاضرابات هنا وهناك في تلك الشركات نتيجة لتعرض العمال لحملة إبادة في أرزاقهم. ولم تستطع الحكومة أن تقف بجانبهم لانها لا تملك سندا للدفاع عن حقوقهم.
فإذا اضفنا إلي هذين "العوارين" أننا لم نلمس تحسنا ولا تطويرا ولا اضافة خطوط جديدة في انتاج هذه الشركات.. واعتمد اصحابها علي الاحتكار وتعطيش السوق وزيادة الأسعار في عملية هرولة لاستعادة رءوس أموالهم التي دفعوها بأقصي سرعة ممكنة.. فإن "العوار" يكون قد لبس نظام الخصخصة من رأسه إلي أخمص قدمه.
جميل جدا جدا أن نسمع من الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء كلاما مريحا للاعصاب خلال اجتماع مجلس المحافظين عن زيادة الدخول وتثبيت الأسعار وعدم اصدار قرارات صادمة أو مفاجئة حول الدعم.. ولكن الأجمل أن نري مردودا لهذه التصريحات علي أرض الواقع.
وليسمح لي الدكتور نظيف أن أقول له بكل الصراحة مع كل الاحترام إنه كلما زادت تصريحات المسئولين الوردية اشتدت أزمات الناس ومعاناتهم.. ولست أريد بذلك أن أبث اليأس في النفوس ولا أن اثبط همم المسئولين.. وإنما نحن نعايش حياة الناس وأزماتهم وننقلها بكل وضوح وصراحة لعل وعسي.
أين قانون منع الاحتكار يا د. نظيف وكل يوم تنفجر أزمة جديدة في سلعة من السلع الاستراتيجية؟! وأين الرقابة علي الأسواق التي أصبحت اسطوانة مكررة في أفواه المسئولين؟! وأين أجهزة الرقابة المتعددة من لصوص الأموال والنصابين والمحتالين الذين يرتعون في بلادنا بكل حرية.
أعلم أن هناك انجازات علي المستوي العام ولكنها انجازات لم يشعر بها المواطن العادي الذي تخنقه الأزمات اليومية.. وأعلم أن الحمل ثقيل ويحتاج إلي معجزة.. كان الله في العون لنا ولك.