الحكومة تدرك مسئوليتها تجاه البسطاء وحريصـة علي الحــفاظ علي مكتسباتهم
حسنا فعل الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء في لقائه برؤساء تحرير الصحف في2007/12/10 عندما قال أنه لا توجد أي نية لإلغاء الدعم فهذا التصريح جاء في موعده ليضع حدا كبيرا لما يدور من لغط وخلط متعمد أو غير متعمد للأوراق وهو الأمر الذي آثار جدلا وبلبلة كبيرة لدي رجل الشارع.
وقبل أن نناقش مسألة الدعم فإننا يجب أن نضع تصريحات رئيس مجلس الوزراء في مكانها الصحيح وهو أن الحكومة تدرك واجباتها ومسئولياتها نحو المواطن البسيط, بل ومن خلال هذه التصريحات تؤكد الحكومة حرصها علي الحفاظ علي حقوق هذا المواطن الذي يشكل قاعدة كبيرة من الشعب.
لكن هناك أمورا يجب أن توضع أمام أعيننا عندما نفتح هذا الملف, فالذي ينظر للقفزة الهائلة في حجم الدعم منذ عام2000 والذي كان لا يتعدي خمسة مليارات إلي أكثر من أربعة وستين مليارا في الموازنة العامة لعام2007/2008, يتأكد أن الدعم أصبح عبئا خطيرا علي الموازنة العامة للدولة حيث إن حجم هذا الدعم يشكل ما يقرب من25% أي ربع حجم المصروفات للدولة, ومن المتوقع طبقا لتقارير لجنة الخطة والموازنة في مجلس الشعب أن يصل إلي ما يقرب من35% من حجم المصروفات في الأعوام المقبلة, وهو الأمر الذي يتضح معه أن الحكومة لابد أن تأخذ الأمر بجدية أكثر حتي تضع حلا لهذا الازدياد المطرد في حجم الدعم وهو الذي يثقل كاهل الموازنة العامة.
الحكومة تنظر للأمور وهو ما يتضح من خلال تصريحات رئيس مجلس الوزراء أن الدولة ملزمة بحق المواطن البسيط للدعم, ولكن في الوقت نفسه أصبح الدعم بقفزته الهائلة في خلال السنوات السبع الماضية وازدياده المطرد المتوقع, أمرا يثقل كاهلها وكان الحكومة ما بين المطرقة والسندان.
ومن هنا فإن الجدل الدائر حول قضية الدعم هو نتاج طبيعي, حيث إن الأمر يستحق هذا الجدل, والذي خلص لثوابت كثيرة اتفق عليها الكثيرون وأهمها أن الدعم وهو من المفترض أن يصل لمن يستحقه وهم الفقراء فقط, قد أخطأ طريقه بنسبة كبيرة ليستفيد منه الأغنياء وأصحاب رءوس الأموال أكثر من الفقراء, والدلالات علي ذلك كثيرة وأبسطها أن رغيف الخبز المدعم بما يقرب من عشرة مليارات يستفيد منه الفقراء والأغنياء بل يستغله أصحاب رءوس الأموال سواء كان في صورة دقيق مدعم أو رغيف خبز كغذاء للحيوانات والطيور أو كعلف للماشية وكذا بالنظر للدعم المقدم للبنزين والسولار والذي يقرب من سبعة وثلاثين مليار جنيه يستفيد منه الفقراء استفادة لا تتوازي مع الاستفادة الهائلة للأغنياء الذين يملكون سيارات بنسبة أكبر ومشاريع صناعية كبري وصناعات ثقيلة تقوم علي المواد البترولية رغما من أنهم يجنون أموالا طائلة من أرباح هذه المشاريع وتلك الصناعات.
وهذا يعني أن الإجابة علي السؤال الكبير هل يصل الدعم لمستحقيه أم لا؟ إذا أردنا أن نلتزم بالشفافية فالإجابة ستكون بديهية ومعروفة وهي أن الدعم لا يصل كاملا لمستحقيه, بل العائد الأكبر من الدعم يستفيد منه الأغنياء وليس الفقراء المستحقين للدعم, وهو الأمر الذي ينقلنا إلي أهمية تحديد من هو المستحق للدعم قبل أن نفكر في الطريقة التي سيصل بها الدعم, وصورة هذا الدعم عما إذا كان نقديا أو عينيا, ولعل وضع ضوابط محددة لتحديد المستحقين بعد تفكير وتدقيق هو بالأمر المهم كنقطة محورية إذا اردنا أن يصل الدعم لمستحقيه.
وكذا فإن الجدل المثار حول ما هيه الدعم بعد الاتفاق علي مستحقيه, أو جعل الجميع إلي بعض المفاهيم المهمة أهمها أنه لا يوجد نظام متكامل بنسبة100% فالدعم عند تقديمه في صورة عينية فقط له سلبياته وأهمها تلك الفئة الوسيطة التي استغلت هذا الدعم وقدمت نوعيات رديئة لتحقيق هامش ربح مضمون وعالي, وهو أمر يسير جنبا إلي جنب استفادة غير المستحقين من الدعم العيني أهم سلبيات الدعم العيني, وكذا فإن الدعم النقدي له ايضا سلبياته التي يجب أن يتم تلافيها إذا استقر الأمر علي تقديم الدعم في صورة نقدية واضعين في الاعتبار أن هناك خدمات مدعومة لايمكن بأي حال من الأحوال تقديمها بصورة نقدية علي سبيل المثال الخدمات الصحية ورغيف الخبز الذي اظهرت الاحصائيات أن معدل استهلاك الخبز في مصر أعلي من أي معدلات في الدول المجاورة ودول أوروبا والذي يقابله نقص في معدلات استهلاك اللحوم, الأمر الذي يتضح معه أن رغيف الخبز بالنسبة للفقراء شيء مهم جدا, وعلي رأي المثل المصري الذي يقول: إذا حضر العيش الملح بشرأة هذا المثل يمثل عقيدة عند المصريين أن رغيف الخبز وحده يكفي.
وبالتالي فإن صورة تقديم الدعم يعد تسليم الجميع أن الدعم هو حق أصيل للفقير يجب مناقشته في حوار مجتمعي موسع, خاصة مع الطبقات المستحقة حتي وان طال الوقت قليلا قبل التطبيق سيصل بعدها الجميع حكومة ومستفيدين إلي الصيغ الأمثل للطريق, وهو الدعوة التي دعا إليها رئيس مجلس الوزراء في اجتماعه الذي أشرت إليه في صدر هذا المقال.
بعض المراقبين والخبراء اشاروا إلي أن فتح ملف الدعم قد لفت الانتباه إلي العديد من الأمور التي تحتاج إلي نظرة ووقفة إذا أردنا أن نصلح الأمر برمته, حيث إن هناك عدم وضوح للعلاقة ما بين القطاعين الخاص والعام, وأيهما يستحق الدعم سواء كان في الكهرباء أو مصادر الطاقة المدعومة, وكذا فإن النمط الحالي للاجور لا يتناسب مع ما تشهده الأسواق من موجة غلاء كجزء من موجة غلاء عالمية لابد من أن تطول السوق المصرية بالاضافة لوجود فئة تستغل الاحداث وتغالي في هامش ربحها علي حساب المواطن البسيط, هذا جنبا إلي جنب حجم الانفاق الحكومي الذي تجب مراجعته إذا أردنا أن ننظر للأمر ككل, أي أن العملية الاقتصادية يجب أن ينظر إليها برمتها, ومن ضمنها الدعم الذي يعد جزءا من كل. هذا بالاضافة إلي ضرورة أن تأخذ في الاعتبار وهي ضرورة إصلاح سياسات التسعير للسلع والخدمات, وضبط تكلفة الإنتاج ووضع ضوابط يربط سياسات التسعير بتكلفة الإنتاج, وهو الأمر الذي يعني المطالبة بسياسات تسعير جبري أو إداري لكن وجوب وضع ضوابط لهوامش الربح التي وصلت الآن في بعض السلع إلي ما يقرب من300%:100% في بعض السلع!!
الشيء المحزن حقا هو ما وصلنا إليه من حقيقة أصبحت واقعا بأن الدعم قد تضخم ووصل إلي أضعاف ما يتم انفاقه علي التعليم والصحة, ومازلنا نتكلم ونتكلم مطالبين الحكومة بحقوقنا, ولم يسأل أحد, ولم أر أحدا يتعارك مع الآخرين مطالبا ضرورة زيادة الإنتاج, ولا ضرورة تحرير ودعم البحث العلمي, لك الله يامصر وكان الله في عون الحكومة.
بقلم: د. هشام عناني
كلية الطب جامعة الزقازيق